فصل: 284- باب تحريم مطل الغني بحقٍّ طلبه صاحبه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.284- باب تحريم مطل الغني بحقٍّ طلبه صاحبه:

قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ اللهَ يَأمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أهْلِهَا} [النساء: 58].
ذكر كثير من المفسرين: أنَّ هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة حين أخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح، وهي عامة في جميع الأمانة، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال تَعَالَى: {فَإن أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمَانَتَهُ} [البقرة: 283].
أي: فإن أمن بعضكم من غير رهن، ولا إشهاد، فليؤد الذي اؤتمن أمانته مقابلة لائتمانه.
والأمر بأداء الأمانة حكم عام يدخل فيه ما ذكر وغيره، كالودائع وغيرها.
1611- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَع». متفق عَلَيْهِ.
معنى «أُتبع»: أُحِيل.
مليء: بالهمز وقد سهل، هو الغني.
قال الحافظ: ومناسبة هذه الجملة للتي قبلها، أنه لما دل على أن مطل الغني ظلم، عقبه بأنه ينبغي قبول الحوالة على المليء، لما في قبولها من دفع الظلم الحاصل بالمطل، فإنه قد تكون مطالبة المحال عليه سهلة على المحتال دون المحيل، واستدل به على اعتبار رضى المحيل والمحتال دون المحال عليه. انتهى ملخصًا.
قال في (الاختيارات): والحوالة على ماله في الديوان إذن في الاستيفاء فقط والمختار الرجوع ومطالبته.

.285- باب كراهة عود الإنسان في هبة لَمْ يُسلِّمها إِلَى الموهوب لَهُ، وفي هبة وهبها لولده وسلمها أَوْ لَمْ يسلمها، وكراهة شرائه شَيْئًا تصدّق بِهِ من الَّذِي تصدق عَلَيْهِ، أَوْ أخرجه عن زكاة أَوْ كفارة ونحوها، وَلا بأس بشرائه من شخص آخر قَدْ انتقل إِلَيْهِ:

قوله: باب كراهية عود الإِنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له. قَيَّدَها بذلك لأنها بعد التسليم لا يحل الرجوع فيها، إِلا الوالد فيما يعطي ولده.
1612- وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الَّذِي يَعُودُ في هِبَتِهِ كَالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ». متفق عَلَيْهِ.
وفي رواية: «مَثَلُ الَّذِي يَرْجِعُ في صَدَقَتِهِ، كَمَثَلِ الكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ في قَيْئِهِ فَيَأكُلُهُ».
وفي روايةٍ: «العائِدُ في هِبَتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ».
التشبيه بالكلب للاستقذار والتنفير، وهو ظاهر في تحريم الرجوع في الصدقة والهبة. وفي لفظ: «ليس لنا مثل السوء الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه» , وهذا أبلغ في الزجر عن ذلك.
قال ابن دقيق العيد: وقع التشديد في التشبيه من وجهين: أحدهما: تشبيه الراجع بالكلب. والثاني: تشبيه المرجوع فيه بالقيء.
1613- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ في سَبيلِ اللهِ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِندَهُ، فَأَرَدْتُ أن أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ، فَسَأَلْتُ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لا تَشْتَرِهِ وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وإنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ؛ فَإنَّ العَائِدَ في صَدَقَتِهِ كَالعَائِدِ في قَيْئِهِ». متفق عَلَيْهِ.
قَوْله: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبيلِ الله» مَعنَاهُ: تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَى بَعْضِ المُجَاهِدِينَ.
سُمِّي الشراء عودًا في الصدقة؛ لأن العادة جرت بالمسامحة من البائع في مثل ذلك.

.286- باب تأكيد تحريم مال اليتيم:

قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَونَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
روى ابن مردوديه عن أبي برزة مرفوعًا: «يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْمٌ مِنْ قُبُورِهِمْ تَأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَارًا» فَقِيلَ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}؟ الْآيَةَ [النساء: 10]»
وروي أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُحَرِّجُ مال الضعيفين، المرأة واليتيم».
وقال تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إِلا بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [الأنعام: 152].
أي: بطريقة هي أحسن الطرق، كحفظهِ وتثميره.
وقال تَعَالَى: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ اليَتَامَى قُلْ إصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ واللهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ} [البقرة: 220].
عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَلا تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]، و{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10]، انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220]، فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم.
1614- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ!» قالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ باللهِ، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلا بالحَقِّ، وأكلُ الرِّبَا، وأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ». متفق عَلَيْهِ.
«المُوبِقَاتِ»: المُهْلِكات.
قال النووي: هذا الحديث فيه: أن أكبر المعاصي الشرك بالله، وهو ظاهر لا خفاء فيه. وأن القتل بغير حق يليه. وما سواهما فلها تفاصيل وأحكام تعرف مراتبها، ويختلف أمرها باختلاف الأحوال، والمفاسد المرتّبة عليها.

.287- باب تغليظ تحريم الربا:

قَالَ الله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 275، 278].
الربا: حرام بالكتاب والسنة والإِجماع. وهو أنواع، بعضها أشد من بعض، وهو من أكبر الكبائر، ومن استحله فهو كافر، مخلد في النار.
قال ابن كثير: وقوله: {وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}، أي: لا يحب كفور القلب، أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبته في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أنَّ المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم يأكل أموال الناس بالباطل.
وذكر زيد بن أسلم وغيره: أنَّ هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الحاهلية، فلما جاء الإِسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فتشاوروا. وقالت بنو المغيرة: لا نؤدي الربا في الإِسلام بكسب الإِسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد نائب مكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278، 279]، فقالوا: نتوب إلى الله ونذر ما بقي من الربا، فتركوه كلهم.
قال ابن عباس: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب.
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة، مِنْهَا حديث أَبي هريرة السابق في الباب قبله.
1615- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ. رواهُ مسلم.
زاد الترمذي وغيره: وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ.
في هذا الحديث: تغليظ شديد؛ لأنه إذا لعن الكاتب والشاهدان، مع أنه لا يصيبهما منه شيء، فلأن يلعن المباشر له من آخذٍ أو معط بالأولى.